نهج البلاغة و أثره في البلاغة و الأدب العربي

Abstract

لو تمعننا في السيرة العلمية لأمير المؤمنين (عليه السلام) لو جدناها مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ((أنا مينة العلم وعليُّ بابها)). فكان الإمام (عليه السلام) مرجعاً في عهد الخلفاء يلتجؤون اليه كلما ألمت بهم مشكلة لم يقدروا على حلها، وكان (عليه السلام) المعلم الاول بعد رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سكب العلم في نفوس وعقول أصحابه حتى تخرج منهم العلماء والفقهاء والحكماء، كعبد الله بن عباس الذي فاق علمه علوم الاخرين، ففاض ليتسع المدينة والكوفة والشام.

ولما كانت (مدينة علم رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هي زخاتُ من الوحي فقد اشتملت على مختلف العلوم التي تحتاجها البشرية ومن ضمنها علم البلاغة، والتي اوحى الله سبحانه وتعالى لنبيهِ لتأخذ منه البشرية ما يرشدها لنيل السعادة في دنياها وآخرتها. فقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) هو باب تلك المدينة، ومن أراد ان يدخل المدينة لابُدَّ ان يدخلها من بابها. فالبلاغة هي علمُ وجراة، فلا العلم وحده يجعل الإنسان بليغاً ولا الجرأة وحدها تجعل الإنسان بليغاً، بل تطير البلاغة بالجناحين معاً.

وقد امتلك أمير المؤمنن (عليه السلام) الامرين فهو في العلم لايدانيه احد حتى قال فيه رسول الله سيدنا محمد –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : (انا مدينة العلم وعليُّ بابها)، وهي الجرأة والشجاعة الذي ما انهزم في حياته قط، والشجاعة خصلة في ذات الإنسان جوهرها رفعة النفس وعلوّ الهمة ومظهرها جراة المواقف، وشجاعة الجنان. فبلاغة أمير المؤمنين (عليه السلام) معلم من معالم الشخصية فكلما بلغت تلك الشخصية درجة الكمال فإن بلاغته كانت بمستوى الشخصية، لأنها مستمدة من علم يستقي معينه من علم رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- . وأكثر من درَّس بلاغة النهج سعى الى تطبيق القواعد البلاغية التي ذكرها أرباب البلاغة على مدار التاريخ على ماورد في نهج البلاغة من صور بلاغية و أساليب بيانية، وهو أسلوب لايمت بالبلاغة بأية صلة لانه سيفقد أمرين مهمين:

الامر الاول : سيفقد جمالية النهج التي لاتظهر للقارئ والسامع إلاَّ عندما ينصب النص امامه في قالب واحد وكل متكامل، وليس أجزاء ومفردات فالبلاغة القديمة تتعامل مع النصب بصورة مجزءة، وتلحظ المفردات والكلمات، ولا تتعامل مع النص كوحدة واحدة، فيفقد النص روعته وجماليته.

أمّا الامر الثاني : الذي سيخسره المنهج الكلاسيكي في دراسة البلاغة هو حرمانه من القواعد والأساليب البلاغية التي تتضمنها نصوص النهج، فأساليبه تفوق ما ذكره الأقدمون من أساليب بلاغية، ومن يريد اكتشاف هذه الأساليب فعليه ان يبدأ بنهج البلاغة وليس بالقواعد البلاغية، ومن ثم يستخرج منها الصور الرائعة.

وتتجلى جمالية نهج البلاغة في ألفاظه الفصيحة العذبة، وفي نظمه المحكم، ودلالته على المعنى. وأدخل نهج البلاغة الكثير من المصطلحات في بلاغة العرب، وهي مجموعة من الأستعارات والكنايات التي استخدمها أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبه ورسائله، منها قوله : (خير النساء الحارقة). ومن ذلك قوله (عليه السلام) : (خبقةُ خبقةُ ترقَّ عين بقَّة) يقول ابن دريد عن ذلك: يقال هذا الرجل إذا تكبّر واعجبته نفسه ليتواضع قالها عليّ (عليه السلام) وهو يصعد المنبر كانه يامر نفسه بالتواضع